حديث الجمعة .. ” النخلة المسروقة “
كلما نظر الى نخلة جاره التى تقف على صدر الغيط الملاصق لغيطه ملأه الحقد والغيرة من بلحها المقرَش الغليظ ، وجريدها الأخضر الطويل ، .
وليف الصِبا الذى يلف عودها الممشوق ، كلما شاهدها تمنّى ان تكون نخلته ، كان كل عام يأخذ الكثير من ” فصا” بلحها ويزرعه فى غيطه.
ولكن لاينبت النخل ويخيب أمله ، ثم أخذ يزرع البلح بفصاه عسى ان ينبِت ، لكنه فشل !!
بين غيطه وبين نخلة جاره لايتجاوز الشبرين ، يفصل بينهما درباس رفيع من كثرة مانحته بفأسه ، حتى اصبح الدرباس الفاصل بينه وبين جاره كثعبان رفيع ، .
فكر فى حيلة عجيبة ليستولى بها على نخلة الجار الغائب عن البلد فى غربة طويلة بعيدا عن الأولاد والأم والنخلة المقرش ،.
أخذ يفكر كيف يستولى على النخلة دون أن يلومه احد ، ظل ليالٍ يخطِّط كيف يغرى النخلة ويتستقطبها لتكون فى غيطه فى غياب صاحبها ، هدَّه التفكير ، .
حتى أهتدى إلى حيلة لاتخطر على بال ، حمل فاسه فى الغروب وتوجه الى غيطه ، وفحت بؤرة فى أقرب مكان فى غيطه إلى النخلة ، .
ووضع فيها الكثير من السباخ البلدى وروث الحيوانات وبعض الطيورالنافقة ، وردم على كل هذا وروى الغيط فاخلتط السباخ وعفن الحيوانات بالتربة حتى اصبحت خصبة غنية بالسماد ،.
وبدأ السبخ يوماُ بعد يوم يراود النخلة ويشد جذورها نحوه فتزحف نحو غيط الجار ، وبدات النخلة تسير وراء جذورها ببطء خفى ،.
يطلبها حثيثاً نحو الجار ، وبعد شهور معدودة أصبحت فى غيط الجار ، ولفتت نظر اهل النجع الذين استغربوا ولم يصدقوا ماحدث ، .
كيف انجرفت النخلة نحو السباخ ، وكيف استطاع الجار اللئيم أن يروادها بسباخه حتى صارت فى غيطه ؟! وبدأ الخلاف ،وعاد صاحب النخلة من غربته ، .
واراد أن يسترد نخلته المسلوبة ، ولكن الآخر نهره وقال انه لم يجبر النخلة لتاتِ الى غيطه ولكن جاءت بإرادتها المطلقة ، .
ولن يستطيع أحد أن يعيد النخلة الى غيطها القديم ، حاول صاحب النخلة الأصلى أن يعيدها بكل قوته الى غيطه ،.
لكن المالك الجديد أقسم ان النخلة لن تعود مرة أخرى بعد أن أغراها السماد وأشبعها العفن ، وأن ذلك من ضروب المستحيل ، .
وتصاعدت المشاكل ، وصعبت المعادلة بين الجار وجاره ، فالنخلة ملك أحدهما ، والأرض ملك للآخر ، وبعد الكثير من المشاحنات والصراعات بين الجارين ،.
تدَّخل أهل النجع ، واصدروا حكمهم الجائر ، وهو ان يتقاسما الجاران النخلة وبلحها ، صاحب النخلة وصاحب الارض ،.
النصف لزارع النخلة وصاحبها ، والنصف الآخر للمالك الجديد !! ومرَّت سنوات على هذا الوضع ، ولاتزال النخلة قائمة تلقى ببلحها لرجلين ، .
رجلُ زرعها فى غيطه وتركها وسافر الى البلاد البعيدة او بقى فى بلده لكنه كان من الغافلين ، ورجلُ ليس له حق فيها ولكنه سلبها بإرادتها ، .
وراودها بسباخه يوما بعد يوم حتى أصبحت فى ملكه ، فهل هذا عدل ؟! رجلُ يزرع النخلة فى غيطه ويرويها ويصبر عليها حتى تكبر ، .
ويأتى رجلُ غريب ليأخذها عنوة على حين غفلة ؟! كيف يتساوى من ظل سنوات يعطى ويسقى ويطعم فى نخلة كبرت وطرحت على يديه ،.
ثم يأت عابر سبيل فى لحظة ليسرق سنين العمر ؟! هل هذا عدل ؟!! لا استطيع أن أجزم !!.