التطفل على موائد الأدب

التطفل على موائد الأدب بين التلاص و التناص

التطفل على موائد الأدب : لست بشاعر إن لم تقف عند اختيار الألفاظ والمعانى والصور ، إن لم تقم مقام القاضى لتحكم على ما تسمعه أو تقرأه ، إن لم تبد ملحوظاتك على معانى الشعراء وأساليبهم ، إن لم تجود وتنقح شعرك حتى تظفر بعمل جيد وراق ، حينها أنت شاعر ….

لعل ما دفعنى للكتابة حول هذا الموضوع هو أن الشعراء النابهين مثل النابغة الذبيانى كان يحكم بين الشعراء فيقال أنه فضل الأعشى على حسان بن ثابت وفضل الخنساء على بنات جنسها من الشاعرات ، حينها ثار حسان عليه وقال له أنا والله أشعر منك ومنها فقال له النابغة حيث تقول ماذا ؟ وأخذ يقول …

دعونا نتأمل هذا الحوار الأدبى الممتع الذى دار بين شاعرين كلاهما يمتلك القريحة وكلاهما يتمتع بذائقة أدبية منقطعة النظير . والآن هل نرى ما يحدث فى أسواقنا ومحافلنا هل ينم عن الموهبة ذاتها ؟ أم ينم عن سوء أدب وعدم إمتلاك فنيات التحاور .

حرى بنا أن نربى أبناءنا ومن نتولى أمرهم على احترام العلم والعلماء والتأدب مع الأدباء لا على المكابرة وسوء الأدب بحجة أنك تدرس وتقرأ وتنقل وتتسول على الموائد التى تلتقطك مرة وتلفظك مرات دعونا ننسب الأفضال إلى أهلها والأعمال إلى ذويها ، ننقل بأمانة ونبدع هذا هو الفرق بين التناص والتلاص عزيزى القارىء ،.

فالتناص هو ذلك المصطلح الذي شاع في الكتابات العربية والنقدية وعُـد كشفا جديدا في عالم قراءة النصوص؛ فقد كان هذا المصطلح من بين المصطلحات التي وفدت للثقافة العربية وما ارتبط به من مصطلحات والتي من بينها النص الغائب، .

والتداخل النصي، وتفاعلية النصوص، والاقتباس، والمثاقفة، ودراسة المصادر إلا أن هذا المصطلح هو الأكثر شيوعا في المشهد النقدي العربي ، فالتناص واحد من المفاهيم الحديثة التي نجد لها بعض البذور الجينية المهمة في نقدنا العربي القديم .

والتي تطرحها المحاولات النقدية المعاصرة في سعيها الدائب لتأسيس نظرية أدبية حديثة، وهو يعني أن الإبداع الأدبي إنما يستند علي الخبرة الأدبية السابقة، وذلك أن الأدب الجديد انزياح عن الأدب القديم، فالتناص هو تعالق (الدخول في علاقة) نصوص مع نص حدث بكيفيات .

مختلفة وهو يشير إلي عملية تحول الأنظمة أو الأنساق إلي أنساق جديدة فليس هناك شكل وليس هناك مضمون، هناك امتصاص وتشرب وإنتاج أو إعادة إنتاج وبالكيفية ذاتها ليس هناك داخل وخارج، فما يكون هو حالة من التبعثر والتشظي والانفجار والتبدد، أي أن النص يتم تأمله داخل النص المجتمع والتاريخ ، .

و فى التناص إبداع حقيقى غير مفتعل فهو يقوم علي مبدأ أساسى أسهم في تأسيسه ألا وهو التكرار والاقتباس الذي يشترط أن يعرف تشربا وتحويلا في نصوص أخري، فلا تكمن أهمية التناص في هذا الزخم من النصوص والمعارف المتداخلة التي يستحضرها الكاتب أو المبدع، إنما تكمن في القدرة العجيبة لدي الكاتب علي الجمع والتأليف بين النصوص وتحويلها إلي ذات لها من الخصائص والمميزات ما يجعلها تتميز عن الذوات الأخريات. وتبقي النصوص المحولة حاضرة بمستويات مختلفة ويندر أن نجد نصا لا يتقاطع مع نصوص سابقة عليه أو معاصرة له .

وحيث إن مهمة الشعر الحداثي أصبحت إعادة لخلق العالم وإبداعه من جديد، فإن هذا النمط القرائي يكشف عن التمفصل الحادث بين النصوص وبعضها البعض خاصة فيما يتعلق بالعلاقة التناصية بين النصوص الشعرية وغيرها من النصوص الدينية مثل القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وغيرها من المصادر التي تمثل معينا خصبا للمبدع أو الشاعر.

وفى الحديث عن التلاص أزمات نتحدث فيها بلا حرج ؛ سطو فكرى وغزو عقلى لاحدود له محاولة للفصل بين الأدب والأخلاق كمحاولة الفصل بين الجسم والروح ؛ انتساب الفضيلة لمن لا يستحقها أو لمن لا قدر له على حملها . وفى النهاية لك أن تؤمن عزيزى القارىء أنه لا إبداع بلا ضوابط أخلاقية ما أحوجنا إلى تدريسها وتوعية الأفراد بها .

بقلم
أ.د/ على عبد المنعم حسين
أستاذ المناهج وطرق تدريس
اللغة العربية المساعد
بكلية التربية جامعة الزقازيق

اترك تعليقاً