عادل صابر يكتب

الحج عبدالمعطى وتفيدة.. بقلم: عادل صابر

الحج عبدالمعطى وتفيدة
********************
نده الحج عبدالمعطى على زوجته تفيدة فى ساعة صفا ، وهو قاعد على الدِكّة الأتل اللى فى المندرة وقال بصوت واطي لايخلو من الحزم والحنيّة : تعالى ياتفيدة عايزك فى موضوع مهم !!.
فردت تفيدة على الفور وقلبها يخفق من الخوف والقلق : خير ياعبدالمعطى ، مالك يابوى خلعتنى ؟!!.. ايه فيه يابو مصطفى ؟!.
فضحك عبدالمعطى وقال : خير ياتفيدة ، ماعاش ولا كان اللى يخلعك يابت الأصول ، بس إنتى عارفة إنى رايح الحج الأسبوع الجاى ، فردت تفيدة على الفور : عارفة يابو مصطفى تروح وتاجينا بالف سلامة ياحج ، وربنا يرد غيبتك مجبور الخاطر ، وضحكت وقالت: والنبى انت حاجج من هنا ياعبد المعطى ، هو فيه حد فى طيبتك وحنيتك وسؤلانك على القريب والغريب ، وعطفك على الفقير ، تفرِّح الزعلانة وترد الزمقانة ، وتدّى .. ومجايبك كتيرة قوى ، وحق النبى اللى حتزوره ياعبدالمعطى مافيه واحد فى بلدنا طارة يقول انا عبدالمعطى ، طول عمرك طيب وجدع وماتحبش الحال المايل ، ولا عملت سِيّة ولا ظلمت يتيم .
فابتسم عبدالمعطى واكمل كلامه قائلاً : البركة فيكى ياتفيدة ، كله عند الله ، مفيش حاجة بتروح يابوى ، بس انتى عارفة انكم حتدّخِلوا القمح فى غيابى ، إوعى ياتفيدة تنسى اللى باعمله فى كل محصول .
ردت تفيدة وقالت : برضه ياحج ؟ !! وانا أقدر أقِل بيك بس نوّرنى ياحج .. قوللى اعمل ايه ،وانا عمرى ما حاقصِّر مع حد ياعبدالمعطى ، وكأنك موجود معانا وانت عارف تفيدة .
قال عبدالمعطى بحزم : أول ماتدخّلوا القمح ياتفيدة ، وقبل مايدخل السَفَط ، تطلّعى كيلة حسانية ارملة المرحوم محمود الاعرج زى كل سنة ، وكيلة سيد ابو عليش الغلبان ،عفوف النفس ، اللى معاه خمس بنتّة وحالته مايعلم بيها غير ربنا ، وكيلة البت اليتيمة ، فريدة بت مسعود البعيو الله يرحمه ، واوعى تنسي كيلة خميس المقرقر ، يعنى كلهم مايكملوش اردب على بعضيهم ، وخلى بالك ياتفيدة ، تخلّي مصطفى يودّيهم لغاية بيوتهم بعد العشا ، يحمِّل الحمارة ويوصلهم لواحد واحد ، فى ستر الليل ، عشان مانجرسوش الناس ، ويبقوا فرجة فى البلد ، وحتى عشان الثواب مايروحش ياتفيدة .. خلاص ياتفيدة ؟!.
ابتسمت تفيدة وقالت : واللهِ العظيم ، من غير ماتقول ياحج ، والموضوع ده فى بالى وكنت حافاتحك فيه ، بس انت سبقتنى ، خطاويك سابقة للجنة ياحج ، وربنا مايقطعلك عادة ، ويديك الصحة وطولة العمر وتفرِّح الغلابة ياحج .
وعدّى الاسبوع وسافر الحج عبدالمعطى للحجاز، وعزّموه أهل النجع بالزمر والطبل ، والدعوات ، وجابوا الحج محمود اب سيد الناظر ، رسمله على بيته ، الباخرة والطيارة ، ورسم صورة الحج عبدالمعطى ، وكتب على واجهة البيت ” وأذِّن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ ياتين من كل فجٍ عميق ليشهدوا منافع لهم ” صدق الله العظيم .. وعلى بوابة البيت كتب ” قد حج واعتمر وزار قبر المصطفى الحج عبدالمعطى ابو حطب عام ١٩٩٨ ” .
بس ياسِيدلمنتى ، وأدى الحج عبدالمعطى شعائر الحج ، ورجع ، واستقبلوه اهل البلد كلها بالطبل والزمارة البلدى ، رجع وشه منور ، والجلابية البيضا حتاخد حتة منه ، وقعد اسبوع فى المندرة القبلية ، والناس تاجى تباركله ، وهو يحكى عن اللى شافه ، وان قلبه اترعش أول ماشاف الكعبة ، وان مية بير زمزم دسمة زى السمن البلدى تشرب منها ماتشبعش ، والملك والملكوت اللى شافه هناك ، وحمام الحِما وهو يرفرف حوالين الناس ، والناس الطاهرة والوشوش المنورة اللى شافها واللى ماينسهاش طول ماهو حى . المهم بعد ماانتهى اسبوع المندرة طلع واتمشى شوية فى النجع وكل اللى يقابله ياخده بالباط ويحب ويظب فى الحج عبدالمعطى ، وصدفة قابلته حسانية ارملة المرحوم محمود الاعرج وبعد ماسلمت عليه ، سألها : الامانة وصلتك ياحسانية ؟!.
قالت حسانية : امانة ايه ياحج ؟! فرد عليها بهمس : كيلة القمح ، جابهالك مصطفى ؟! فابتسمت حسانية وقالت : والنبى ياحج كفاية رجعتلنا بالسلامة ، بلا قمح بلا عدس ، مستورة والنبى ياحج ، وخير ربنا كتير . .. ووراها على الطريق قابل ” سيد ابو عليش ” وبعد سيد ماخد الحج عبدالمعطى بالباط سأله الحج عبدالمعطى : الامانة وصلتك ياسيد وانا غايب ؟! استغرب سيد ابو عليش وبص للحج عبدالمعطى وقال : امانة ايه ياحج ، فكِّرنى ؟! فرد الحج عبدالمعطى : مصطفى جابلك كيلة القمح زى كل سنة ؟! فضحك سيد ابو عليش وقال ، والله ياحج ماكنت عايز حاجة من ربنا غير انه يرد غربتك وترجعلنا سالم غانم ، إديتنى كتير ياحج ، يعنى حتاجى على سنة ، ماحدش عارف الظروف .
ورجع الحج عبدالمعطى بيته زعلان مش زى عادته ، ونده وقال : خُدِى ياتفيدة اقولك ، عايزك فى موضوع ، وتفلت تفيدة فى يدها وحطتها على صدرها وقالت بخوف : خير ياحج ؟!
قال الحج عبد المعطى بزعل وعتاب : ياتفيدة ، ليه ماعملتيش اللى قلتلك عليه ، ليه ماودّتيش غلّة الناس ، اللى قلتلك عليهم واحد واحد قبل ما اسافر؟.
ردت تفيدة بابتسامة خجولة وقالت : والنبى ياحج ، السنة دى لقيت الغلّيات قليلين ، مايكفوناش السنة كلها، الفدان يادوب جاب ١٢ اردب ياحج ، وكان كل سنة يجيب اكتر ، وحسبتها احنا بنطحن كل شهر اردب ، قلت فى نفسى يابت ياتفيدة ، طاب ١٢ اردب ب ١٢ شهر ، وقول حينقصوا اردب للناس ، طاب والشهر الأخرانى ناكل ايه ؟! وقلت لا ياتفيدة ، بلاش السنة دى أدى للناس وابقى نعوضوهم السنة الجاية اللى يعيش ، يعنى بدل الكيلة نديهم كيلتين !!.
وزعق الحج عبدالمعطى وقال : حسبتيها غلط ياتفيدة ، ربنا بيدينا من غير حساب ، بيزيحلنا زيح ياتفيدة ، وانتى قاعدة تحسبى وتقلبى لسنة قدّام ، لغاية ماضيعتى حق الغلابة ، دا حق ياتفيدة ، إحنا مش بنمن عليهم ، دا ربنا بيقول : وفى أموالهم حق للسائل والمحروم ، يعنى حتى مش مستنيين منهم شكر ياتفيدة .. قومى افتحى السفط وهاتى الكيلة ، واندهيلى مصطفى من برة وخليه يحضِّر الحمارة ، وفتح الحج عبدالمعطى السَفَط ، وقعد يحط كيلة فى كل شكارة ويديها لمصطفى ويقول : ياله ياولدى ودّي لفلان ، ويرجع مصطفى يكون الحج حضر الشكارة التانية والتالتة والربعة ، لغاية ماودَّى لكل الغلابة زى العادة ، وتفيدة قاعدة على قلاقيلها ، تبص بعينها وقلبها حيفط من صدرها من الخوف ، خايفة للسفط يفضى ويقعدوا بالجوع ، وبعد ماخلص الحج وادّى لكل غلبان حقه ، قفل السفط وقال : توِّى اللى حجّيت صُح ياتفيدة ، والله من ساعة ماسمعت انك ماودتيش للغلابة ، وانا حاسس ان حجّى ناقص ، ان ربنا ماقبلهوش ، توى اللى ارتحت وقلبى اطمّن .. كنتى حتضيعنى يامرة ،وابتسم الحج عبدالمعطى وقال : والله شورة الحريم تودى جهنم ياناس !!.
ومرّت الأيام ، وعدت الشهور ، والحج عبدالمعطى زرع نص الفدان طماطم زى جيرانه فى الزرع ، وسابه فى رعاية الله ، لا نضَّف ولا كَبرت ، وجات السقعة أيامها كان الشتا واعر ، وعروش الطماطم كمبشت فى أرض الحرجة كلها ، ماعدا زرعة الحج عبدالمعطى ، وقعدوا المزارعين يستغربوا ، إشمعنى زرعة عبدالمعطى ، حتى عبدالمعطى نفسه قعد يبص على العروش القايمة زى الشوك ، لافيه عرش مكمبش ولا عرش مقرنص ، وقعد يستغرب ويقول سبحانك يارب !!
وفى مرة من المرّات ندَه الحج عبدالمعطى على تفيدة وقال : عارفة ياتفيدة ، حاقولك على حاجة مش حتصدقيها يابت الناس ، عارفة ان كل غيطان الطماطم اللى حوالينا كمبشت وخدتها السقعة وقتلها برد الشتا ماعدا زرعتنا ، عارفة ليه ياتفيدة ؟!.
استغربت تفيدة وقالت : يمكن عشان كبريتها كتير ياحج ؟! رد الحج عبدالمعطى وقال : والله ماشافت صنف الكبريت ياتفيدة ، قالت تفيدة : يمكن عشان زرعتنا واطية شوية ودفيانة من زرع الناس ؟! قال عبدالمعطى : بيمين زرعتنا أعلى زرعة فى الحرجة ؟ استعجبت تفيدة وقالت : أومال ليه ماكمبشتش من دوُل زرع الناس ياحج ؟!
ضحك الحج عبدالمعطى وقال : زرعتنا ماخسرتش ياحجة عشان كيلة قمح حسانية ، وكيلة قمح سيد ابو عليش ، وكيلة قمح فريدة اليتيمة بت مسعود البعيو ، وكيلة خميس المقرقر ، .. هودا السر ياتفيدة .. فاهمة ؟!
مصمصت تفيدة وقالت : فاهمة ياحج .. سبحان الله .. اللى عندالله مايروحش ياحج على رأى القول ، ياسلاااااااااااااااام .
دنقَر الحج عبدالمعطى وقال بحكمته المعتادة : عارفة ياتفيدة ، فيه ناس كتير تلقيها دايما زرعها بيخسر ، أو محصولها قليِّل ، وفيه ناس كتير ياتفيدة كل مدة يموت منها بقرة او جاموسة ، يعنى لو لاحظتى تلاقيهم ناس معينة فى البلد ،
مشهورين بموت البهايم ، وتلفان الزرع .. عارفة ليه ياتفيدة .. لإن عمرهم ماودّوا شُخب لبن لفلان الفقير
المحروم ، رغم ان لبنهم معبّى المكبّة ، عمرهم ما قالوا حتة جبنة خضرا ليتيم ، ولا سباطة موز لفلان المسكين اللى عمرٌه ماداق طعم الموز من فدادينهم اللى مالهاش حد ، ناس عِفشة ياتفيدة وشقايا عند الله ، ياتفيدة دا الرسول بيقول مانقص مال من صدقة ، زى ماقال الشيخ محمد اب هاشم يعنى اللى يدّى ياخد اكتر ، واللى يتصدّق عمره ماله ماينقص ، ياتفيدة دا اللى بيدّى حاجة لواحد أصيل بيقعد حافظله الجميل لحد مايموت ، إذا كان ياتفيدة اللى بيدّى جلابية من ناس الكويت لواحد فقير بيردهاله الطاق طاقين ، لحم ودقيق ومقطف كبران عشان جلابية جابهاله من الكويت ، وبيفضل لابس الجلابية وهو مكسوف خايف لصاحبها يشوفه وهو لابسها ، رغم انه خد أكتر من حقها، اومّال اللى بيدّي ربنا حيردهوله كام ؟!، ربنا بيزيح زيح ياتفيدة للى بيعطى لوجه كريم ، مافيش حاجة عندالله بتروح ياتفيدة ، بس اللى يقدِّره ربنا على العطا والإنفاق يابت الناس ، مش تقوليلى ١٢ اردب ؟!!

اترك تعليقاً