البيانيست الجنوبي (العولمة وأثرها علي الانسان الجنوبي )

ثاني قراءة معي اليوم لشاعر من اسوان هو من أحب الشعراء علي قلبي رفيق الدرب والبدايات الشاعر حامد عامر
(1) البيانيست الجنوبي (العولمة وأثرها علي الانسان الجنوبي )
تعريف بالشاعر
الشاعر حامد عامر وهو شاعر شاب صدر له ديوانين الأول هو ديوان أخر صلاة وهو الديوان الفائز بمسابقة النشر الإقليمي 2016 وأصدر ديوانه الثاني عام 2020 وهو الديوان الصادر عن الهيئة العامة للكتاب سلسلة ديوان شعر العامية بعنوان (البيانيـست الجنـوبي)
عنوان الديوان
أختار الشاعر حامد عامر أن يكون عنوان ديوانه البيانيست الجنوبي وهو أسم قصيدة من الديوان ولكن إذا نظرنا إلي العنوان كعتبة أولي لقراءة العمل الذي بين أيدينا نجد أن العنوان يجذب القارئ وخاصًا إذا كان هذا القارئ من الجنوب وذلك لأن مهنة البيانيست او عازف البيانو قد تبدو غير معروفة كثيرا في البيئة الأسوانية ونادرة الوجود في الجنوب وكان أقرب للبيئة الجنوبية لو ذكر عازف الناي مثلا او أي اله موسيقية تنسب للجنوب اكثر كالربابة مثلا فهذا العنوان يطرح أسئلة جمة منها لماذا اختار البيانست الجنوبي ومن هو هذا البيانيست كما يبدو مشوقًا لمعرفة هذا الرجل النادر الوجود في الجنوب لذا نلاحظ أن اسم الديوان يحقق وظائف العنوان وهي الوظيفة التشويقية والإغرائية والإيحائية معًا.
ومن خلال قراءة الديوان نجد أن هذا الأسم هو الاسم الأنسب لحالة الديوان بشكل عام حيث يتعرض الشاعر في هذا الديوان لاثر الاغتراب والغربة علي الإنسان الجنوبي واثر تداخل الثقافات والعولمة علي الانسان في الجنوب وبما أن الشاعر أختار أن يكون اسم الديوان هو اسم أحد قصائده وجب علينا أن نبدأ بها في محاولة لمعرفة مدي مركزية القصيدة في التجربة الشعرية للشاعر في هذا الديوان وفي هذه القصيدة التي حمل الديوان اسمها وهي القصيدة الثانية في ديوان الشاعر والتي تحتل 4 صفحات من الديوان يتحدث فيها الشاعر عن ذلك البيانيست الذي يمتلك بيانو بجوار النيل ويقول الشاعر
جدي البيناست الجنوبي
يملك بيانو جنب مجري النيل
حبه النخيل قام حفظه النوتة
علمها تانجو رقصت التوتة
خلا المعابد تحضر البروفات
ونلاحظ هنا تجاور مفردات من البيئة الجنوبية (مجري النيل / النخيل / التوته / المعابد) بجوار مفردات غريبة عن هذه البيئة ( بيانو / النوته / تانجو / بروفات) وهذا التزاوج بين المفردات الغارقة في المحلية والتي تعبر عن روح الجنوب وبين المفردات الغربية هو الذي يعطي لنا حالة التناقض والكشف عن اثار العولمة الحديثة علي كل العالم حتي في الجنوب و تبدو واضحة في أكثر من قصيدة في الديوان قد يكون لنا عودة معها ولكن ما يهم الأن هو القصيدة التي حمل الديوان اسمها وتبين اثر الاغتراب والغربة وتداخل الثقافات علي روح الشاعر كما أن هذه القصيدة تتناول جانب هام من جوانب حياة الانسان في اسوان تلك البيئة السياحية التي يأتي إليها السياح من كل مكان فبها الكثير من الأثار التي يزورها السائحين من كل مكان وتعطي صورة كاملة عن شق هام من الحياة الجنوبية ويظهر فيها اثر البيئة الجنوبية علي الشاعر واختيار الشاعر هذه القصيدة تحديدا لتكون اسم للديوان هو انتماء ضمني من الشاعر لهذه البيئة السياحية والتي أثرت في نفس الشاعر كثيرا
ووشوش كتير وردت عليك يالبر
كل اما تحفظ وش ما بتلحقهوش
يصف لنا الشاعر هنا حال أسوان فهل المحافظة التي يرد عليها الكثير من الوجوه التي تذهب وتجئ حتي أن البر لا يستطيع أن يحفظ هذه الوجوه بينما ان هذه الوجوه التي تذهب وتجئ هي مصدر رزق للكثير
اخبارها ايه الخلق دي اللي هناك / والربع فين
عايشين بيجروا يا جد عـ الأرزاق والعيشة صعبه
نعم هكذا هي حياة الجنوب كما ينقلها لنا الشاعر في ديوانه الذي يحمل اسم البيانيـست الجنوبي
ومن هنا يمكننا القول أن ديوان حامد عامر ليس ديوانًا عاديًا بل ديوان يناقش بشكل جمالي بحت قضية كبيرة كقضية العولمة والأغتراب في ظل هذه العولمة وهذه القضية الأساسية التي تلقي بظلالها علي كل قصائد الديوان
قصائد الديوان
يتكون ديوان حامد عامر من ستة عشر قصيدة مقسمين في 87 صفحة ونلاحظ أن قصائد الشاعر تعتبر طويلة يبدأ الشاعر بقصيدة كل عالم وانتي حلوة
ارقصي باليرينا على العالم بحاله
كل نور الصالة مطفي
كل جمهورك قلوب
كل سقفة الليلة هتوحد شعوب
الكمنجة من أوربا وشرق أسيا
في هذا المقطع الشعري الجميل نجد أن الشاعر يطلب من حبيبته والتي تمثل العالم كله هنا او الأنسانية أن ترقص باليرينا والبيرينا هي رقصة بالية فهذه الرقصة تستطيع أن توحد شعوب العالم كله فالموسيقي هي خليط من أوربا وشرق أسيا وهنا تظهر فكرة العولمة واضحة فهذه المحبوبة كل جمهورها عبارة عن قلوب ولكن كل سقفة سوف توحد شعوب العالم اجمع حتي أن القصيدة اسماها الشاعر كل عالم وانتي حلوة
ثم يكمل الشاعر
خطوتك عذبة وقاسية
فيها روح ..
كل حركة فيها معني الإنسانية
البيانو صوابعة سودا وبيضا لكن
صوته ضد العنصرية
من هذا المقطع نعرف أننا أمام شاعر صاحب قضية جمالية يحاول بشعر أن ينشر قيم جمالية بدأت تغيب عن هذا العالم فالشعر بالنسبة له محاولة لمحاربة هذا العالم العنصري الذي يفرق بين الأبيض والأسود فكما أن البيانو يتكون من صوابع بيضه وسودا ولكن صوته لا يعرف العنصرية التي يعرفها البشر فهو شاعر نفسه طواقه للمساواة و للسلام وهنا يفتح لنا مجال لقراءة قصيدة البيانست الجنوبي بشكل مغاير فالحب الذي نشأ بين مارجريت اللندنية وبين الجد البيانست الجنوبي هو الذي وحد بين قلبين فبالحب فقط نستطيع ان نوحد العالم أجمع
ثم في القصيدة الثالثة
كان نفسي اجيب لك ورد
وكأن هذه القصيدة هي رسالة ما بين البيانيست الجنوبي وبين مارجريت اللندينة فقد ذكر فيها بيكاسو وبيتهوفن فيقول الشاعر
راحت عليك يا حاج بيتهوفن
مقطوعة أحلي من نهار مدريد
من ليل فينيسيا ونجعنا في العيد
من الجميل أن يلقب بتهوفن بالحاج وكأن بيتهوفن هو أحد أفراد قريته ثم نلاحظ أن الشاعر جمع في سطر واحد بين فينيسيا والنجع
ثم في القصيدة الرابعة
اسكتش ل نجيب الريحاني وتشارلي شابلن
نجد لقاء بين رموز كوميدية لثقافتين مختلفتين هم نجيب الريحاني ذلك الضاحك الباكي وامير الكوميديا في مصر وبين تشارلي شابلن ولكن هل العلاقة بين الأثنين هي فقط علاقة بين رمزي للكوميديا بالتأكيد لا اعتقد أن العلاقة تعود لحياتهم فرغم أن كل منهم كان في قارة مختلفة إلا أن حياتهم كانت تتشابه في مناطق كثيرة ويقول الشاعر فيها
شابلن ما بيدخنش / وانا برضه ما بدخنش
هذا السطر يكشف لنا أن الشاعر يريد أن يوحد بين نجيب الريحاني الذي عاش حياة صعبة في مصر وتشارلي الذي عاش حياة صعبة ايضًا في قارة أمريكا وهذه القصيدة الإنسانية في نظري من أجمل قصائد الديوان
ثم ينقلنا الشاعر معه إلي المرسم في القصيدة الثالثة والتي يبدأها بداية تخبرنا أن الشاعر مازال يحمل قضيته الإنسانية الجمالية
الأولة ثانكس والثانية جراتسي والثالثة ميرسي
لساني اهو فرنجي
قلبي الجنوبي انسيه
ثم يقول فيها
بتكلميني عن بلاد مبهجة
لو عشت فيها مش هتوحشني
وإن مت براها ما هيعزش
إن الشاعر برغم إيمانه بقضية العولمة إلا أنه مازال متمسكًا بقلبه الجنوبي فرغم الحياة الصعبة التي ذكرها مثلا في قصيدة البيانيست الجنوبي إلا تلك البلاد المبهجة لا تريحه فهو إن عاش بها لن يتذكرها وإن مات خارجها لن تعز عليه
ثم من هذه القصيدة يأخذنا الشاعر إلي قصيدة جميلة من قصائده وهي قصائد بسكاليا
وبسكاليا هو مقطع لراجح داود في فيلم الكيت كات وعند البحث عن معني بسكاليا وجدت هذا بالإضافة لجمال مقطوعة «بسكاليا» لراجع داوود في فيلم «الكيت كيت»، اكتشفت بالبحث أن «بسكاليا» مصطلح بدأ إطلاقة على نوع من المقطوعات الموسيقية في أسبانيا أوائل القرن الـ17، ثم انتشر في إيطاليا، ومعناه ينقسم لشقين، الأول «passa» بمعني «السائر» والثاني «caglia» أو الأدق «calle» بمعنى «الشارع»، ليكون المعنى -ضمنيًا- في النهاية «السائر في الشوارع»، وهو تعبير يليق جدًا برحلة الشيخ حسني
كما يليق أيضًا بحالة الاغتراب الذي يعانيها الشاعر فبرغم أن العالم كله اصبح قرية صغيرة حتي انه يستطيع أن يجمع بين فينيسيا والنجع في سطر شعري واحد ولكن من كل هذا العالم هو ينتمي للجنوب وفي هذه القصيدة الذاتية يتحدث فيها الشاعر عن اغترابه وعن احتياجه لأم الوطن الجنوبي فهو في الغربة كما يقول
بيبعوا مني حاجات
ويشتروني ساعات
وانا كنت محتاج ام
عملت زييهم
دورت في البوتيكات
.وتعتبر هذه القصيدة من أطول القصائد في الديوان فهي تقع في 10 صفحات كاملة ثم تحتل وتعتبر هذه القصيدة هي الفاصل ما بين حالتين وقيمتين جماليتين يعرضهم الشاعر في ديوانه الجميل البيانيست الجنوبي وكأن الديوان قد انقسم شقين الشق الأول يحاول فيه أن يخبر نفسه أن العالم قد أصبح قرية واحدة وأن لا داعي للشعور بكل هذا الاغتراب وهو لم يتحرك خارج القطر المصري لذا تأتي القصائد التالية في الديوان معبرة عن شوقه الجارف للجنوب فهو لا يشبه اهل القاهرة في شيء وهذا القسم يضم خمس قصائد وهي
وهي قصائد
بسكاليا – هيليوبليس – نشيد السيسبان – نغم امشير – الليلة دي
ويقول في قصيدة بسكاليا
محتاج لـ أه تسأل
وتقولها مالها
وترد باب البيت
علي جرحها تلمه
وتجيب لي من شألها
لو حتي فتلة خيط
من عطرها تشمه
فتصدق أني بعيد
أن حالة الاغتراب التي يعيشها الشاعر والغربة عن أحبابه وعن أهله جعله يشتاق حتي لفتله من شال محبوبته فهي ومن الملاحظ ان قصائد هذا الجزء هي أطول من الجزء السابق فهنا الشاعر ترك العنان لقلمه لكي يعبر عن مدي ارتباطه وحبه للجنوب وربما من أجمل ما قرأت في هذا الجزء
عجبني بناتك الشربات
عجبتش حد منهم
في قصيدة نشيد السيسبان
ويعود جمال هذا البيت في أنه يمكن أن يؤخذ كمثل شعبي ونلاحظ هذا كثيراً علي أسلوب الشاعر حامد عامر فالشاعر متمكن من أدواته وله رؤيته الخاصة التي تستحق القدير والديوان غني بالجماليات
عمومًا الديوان قيم جدًا ويستحق القراءة والدراسة بتأني وحتي لا اطيل علي القراءة سوف اكتر فرصة لهم لاكتشاف جماليات ديوان حامد عامر الصادر عن سلسلة شعر العامية التابعة للهيئة العامة للكتاب

بقلم : احمد فنجري الاسواني

قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏سماء‏‏ و‏محيط‏‏

اترك تعليقاً