المصري الجديد سلسلة من المقالات يكتبها الكاتب المبدع الاستاذ محمد نبيل.
وكيل وزارة الثقافة ورئيس اقليم وسط الصعيد الثقافة ينشرها بجريدة الجمهورية.
ونحن نعيد نشرها هنا حتي نتيح الفرصة للقراء الاستمتاع بتلك المقالات الجميلة.
التي تتمتع بروح الوطتية الخالصة والعاشقة لتراب هذا الوطن الاكبر مصر.
محمد نبيل محمد
المصرى الجديد (9)
الذات المسئولة والذات المتواكلة
يبقى الحراك المتساوى فى مساحته , والمتعادل فى قوته , داخل مربع أضلاعه الضمير والعقل والروح والنفس .
, يشكل معادلة انتماء الانسان إلى طرفى الوجود أوالعدم , وتروح وتجىء ذاته نتاجا للمعادلة .
حتى تستقر فى مسميات جاءت مُلبية لمقتضى حال تلك الذات التى ملكت الحرية المطلقة .
للتحليق فى واقع الوجود كذات متطورة ومتغيرة ومتحركة وموقرة وفاعلة , أو قابعة فى وحل الثبات.
وبرك الجمود وقبور الرجعية كتلك الذات الطافية الهشة المفعول بها , ويأتى الحديث الآن.
عن مسئولية الانسان التى تحدد حجم فعله , ومكانة وقاره , وطاقة حركته , ومن ناحية اخرى.
على النقيض تكون الذات المتواكلة نتاجا طبيعيا لتلك الهشة , الساكنة , المفعول بها .
وربما كان القياس المنطقى لإدراك الوجود لواحدة دون الأخرى قياسا الى ما ساقته نظرية الكوجيتور القائلة .
بان ممارسة الفكر يعد ادراكا للوجود :” انا افكر اذا انا موجود ” , أو ما سطره للخلود ابو الفلسفة الحديثة.
الفيلسوف الرياضى “رينيه ديكارت” صاحب نظرية الشك :” انا اشك اذا انا موجود” ذاك الشك الممنهج .
الذى يقود الى مسارب المعرفة اليقينية , والقدرة القويمة على التفكير الحقيقى.
كما فى رائعته ” تأملات فى الفلسفة ” , وعلى ذلك يكون القياس المنطقى العقلى “انا مسئول اذا انا موجود “.
من منا لم يعتبر نفسه مسئولا عن ذاته أولا , ثم عن غيره من بنى نوعه وجنسه .
او مسئولا عن نبات يزرعه بهدف الإطعام أو بُغية التجمل , أو مسئولا عن طير , أو حيوان .
أو حتى أشياء من أنواع الجمادات , وربما ظن آخر منا انه مسئولا عن المجرد من الروؤى.
والمحلق من الأفكار , والمنزه من المعتقدات , ولا ننفى مسئولية آخرين عن الخدمة كالخدمة التعليمية والعلاجية.
وغيرهما متنوع وعديد , ومن هنا تكون الذات مسئولة عن حياة الاخرين.
تجتهد للحفاظ على اسباب استمرار وبقاء تلك الحياة لهؤلاء الآخرين , وهذا هو ما يشعر هذه الذات بالوجود .
الوجود الحقيقى , لانه وبمنطقية بسيطة لولا وجود هذه الذات المسئولة عن حياتها .
وحياة غيرها لما كان لأى منهما وجودا يحتسب فى الواقع الملموس أو المجرد – حتى! – .
وهؤلاء الكثيرين ممن تحدثوا عن المسئولية الأخلاقية بدءا بـ “ارسطو” الذى تحدث غن قيمة الفاعل الاجتماعى.
ومسئوليته تجاه مجتمعه , مرورا بـ “يوناس هانس ” الذى فند أطر المسئولية إلى دينية , وقانونية , وأخلاقية .
وصولا إلى فرانسيس هربرت برادلى الذى كانت للمسئولية لديه أبعادا ميتافيزيقية .
وربما كان لـ “انتونى جرامتشى ” المثقف الثائر على طغيان الدوتشى الفاشى بينيتو موسولينى .
كما سطر فى ادبيته الباقية “دفاتر السجن” أو “كراسات السجن ” :” ان المثقف العضوى.
ينبغى عليه ان يحدث تغييرا ايجابيا فى مجتمعه والا لا يعد مثقفا ” , وهنا تتأسس المسئولية بمفهومها الايجابى.
الذى يحدث تغييرا يرتقى بالذات ومن حولها نتيجة لفعل مؤثر وحراك ذا قيمة , وقد يقود مفهوم المسئولية.
إلى ما هو أبعد من وجود الذات مجاورة لمجال الضمير والروح والنفس والعقل بل وتتجاوز كل هؤلاء .
وتسعى إلى وجودا من نوع أكثر رقيا , وحياة تختلف عن حيوات (حيوان : جمع حياة) الموجودات .
وتشتد قيمة المسئولية تجاه الآخرين بما فيهم التراب والغير معلوم مباشرة لتلك الذات من الموجودات.
إلى سبيل التضحية بنفس تلك الذات وجسدها ليفنى الملموس منه ويبقى الإثر.
ربما ايمانا بشوقى فى قصيدته المشرقان ينتحبان :” دقات قلب المرء قائلة له :
ان الحياة دقائق وثوانى , فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها , فالذكر للانسان عمر ثانى ” .
وتتحول التضحية إلى الفناء الظاهرى لصالح تحقيق مسئولية هذه الذات تجاه غيرها .
وعلى النقيض تماما تجد ذاتا أخرى لا تتحرج من عدم اضطلاعها بمسئوليتها تجاه نفسها .
أو تتنصل ممن هم فى محيطها , وترعى فى الكلأ , وتتدلى برأسها لتتناول من خشاش الأرض.
غير معتبرة لكونها عالة على غيرها ومسئولة من سواها , تلك الذات موجودة بالفعل.
لكنه وجودا بمقايس الجمادات وبقية الخلوقات المتدنية فى قائمة الكائنات بعد الانسان .
وان كانت تلك الكائنات حيوانات مسئولة عن صغارها وعشائرها وبقاء نوعها وتبذل الجهد الجهيد.
فى الحفاظ على وجودها , وان كانت حيوانات او طيور او اسماك , الا ان من البشر من تنازل طواعية .
عن مزية المسئولية ورضى مختارا ان يكون تابعا , ذليلا , اسير عطف الآخرين عليه .
متواكلا الى حد تجاوز سلوك من هم ادنى مرتبة منه من الكائنات , ولا يجد صاحب تلك الذات المتواكلة.
متعة أو لذة فى ممارسة المسئولية على ذاته أو لغيره , بل هو يحيى على ما يلقه اليه الآخرين.
من فتاتهم بقصد درء الأحقاد , أو غسل الذنوب , وربما طمعا فى ثواب يتبعه عطاء بعزة وليس بذلة .
وما بين ممارسة المسئولية التى تشعر ذاتها بالوجود الحقيقى الظاهر أو الوجود الأعلى والأبقى .
إلى تواكلا من ذات هشة , طافية , متجمدة , ومفعول بها , وتنتظر ماذا تفعل بها إرادة الآخرين .
وهى ببساطة تفتقر إلى تملك ” إرادة المسئولية ” , تلك المسئولية التى هى إحدى أسباب الوجود الحقيقى .
وليس الوجود الصفرى أو العدمى , وقد تكون تلك الذات المسئولة محصلة مجتمع انسانى .
يعد نفسه مسئولا عن تطور بقية المجتمعات المتواكلة , وهكذا العكس بالعكس .
وسيأتى الحديث عن الذات النَهِمة والذات المُكتفية , ونستكمل فى القادم ان شاء الله لنبنى أركانا جديدة .
فى المصرى الجديد بعد اكتشافه لذاته وادراكه لامكاناته فى التغيير, وعلى الانسان ان يعيد تقيم ذاته.
ليرسم بيده ملامحه ليست الشكلية قط وانما الباطنة أيضا, ويعود كما كان اجداده الأصل واصحاب الفعل وليس الشبه والمفعول به!.
قد يهمك أيضا