حديث الجمعة ” عركة فى الحرَجة ”
على رأس الغيطان ، فى الحرجة ، جمْعٌ من المزارعين يحملون هرواتهم وشومهم الغليظة الخشنة ، واصوات عالية تدوى فى الفضاء ، وأطفال تركض على صدر الحقول ، ونساء بجلابيب سوداء ملطخة بالعجين تصرخ خوفاً من الدماء ، اسرعت نحو الجمع لأستطلع الحدث ، وعلمت ان المشكلة بسبب المياه ، وأن صاحب الغيط الأول صمّم أن يسد القناة، ولايروى لصاحب الغيط المجاور ، وكانت حجته انه حر فى غيطه وله الحرية ألاّ يروى غيط جاره ، وعندما سمع بذلك صاحب ماكينة الرى التى تسحب المياه من المشروع المجاور أوقف ماكينته لأنه قريب صاحب الغيط الثانى وقال أن من حقه أن يتحكم فى ماكينته ، رغم ان صاحب الماكينة أقسم بالله العظيم ثلاث مرات امام جميع الناس أنه لن يمنع الماء عن الحقول ، وهاهو قد خان اليمين ، وعندما علموا بذلك أصحاب الغيطان التى تسبق غيطان اصحاب المشكلة صنعوا سداً فى فى المنتصف ليمنعوا المياه عن جيرانهم ، ليوفروها لغيطانهم الشاسعة ، وتفرعت المشكلة ، وكبُرت ، ووسع الخرق على الراتق فلم تعد تجدى حياكته . تدخل المصلحون ورجال الخير ، وبعثوا اليهم برسول ، وثانٍ ، وعزّزوا بثالث ، ولم يقتنعوا ، وطردوهم ، وفشلت كل المفاوضات حول المياه ، ولايزال الجميع على موقفهم المتعصِّب الغاشم ، والحقول تئن من العطش !!
وفى لحظة صمت من الجميع ، وقفت وسط الجمع وقلت : كيف تتعاركون على مياه الله ، أنسيتم أن المياه يرسلها الله من سمائه وليس لأحد ان يحتكرعطايا الله ؟!
أنسيتم وعد الله فى كتابه ” وفى السماء رزقكم وماتوعَدون ؟! هل تمنعون وعد الله بالرزق ؟! نحن ضيوف الله على هذه الأرض ، والمضيف كفيل بإطعام ضيفه وإكرامه ، كيف تجورون على رزق الله لكم وتحتكرونه لأنفسكم بالطمع والأنانية ، هل يرضى الله بأن تشرب انت ويعطش غيرك ؟! عطايا الله يرسلها للمؤمن والكافر ، فكلنا فوق ارضه وتحت سمائه ، الهواء للجميع ، الشمس للجميع ، البحر للجميع ، النهر للجميع ، كيف للأموات ان تمنع ماأعطى الحى ؟! أنَّى للضعفاء أن يمنعوا ماأرسل القوى ؟! كيف للبخلاء أن يبخلوا بما وهب الرزّاق ؟! لن يستطيع أحد منكم أن يمنع المياه عن الحقول وعن البهائم وعن الإنسان ؟! ألم تعلموا بأن الماء الذى به نحيا وخلق الله منه كل شئ حى، لقادر على ان يغرقنا جميعاً ، صاحب الحقل الاول والحقل الثانى والثالث وصاحب الماكينة وأصحاب السد ؟! لاتأمنوا كثيرا لغدر الماء ، فهو الذى اغرق فرعون ، وأغرق قوم نوح ولم ينجَ منه حتى ولده !! هل نسيتم قول الله ” قل ارأيتم إنْ اصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماءٍ مَعين ؟!! ألا تذكرون القرية الظالمة التى اغرقها الله بمطره ” فامطرنا عليهم مطراً فساءَ مطر المنذَرين !! ” صدّقونى ، مهما فعلتم ، ومهما حاولتم أن تمنعوا ماء الله ، ومهما استخدمتم كل هرواتكم وشومكم واسلحتكم الفتّاكة، ومهما أنشأتم من السدود ، فلن تمنعوا عصفور أن يشرب ولاحقل أن يروَى ، ولا طفل أن يروى عطشه ، لأن هذا وعد الله ، ولن يُخلِف الله وعده .