لو...هتفكَّر ترجع
لو...هتفكَّر ترجع

لو … هتفكَّر ترجع للشاعر المصرى: محمود رمضان قراءة نقدية بقلم : حامد حبيب

لو…هتفكَّر ترجع للشاعر المصرى:محمود رمضان قراءة نقدية.بقلم:حامد حبيب.
(محمود أحمد رمضان)…شاعر مصرى من شعراء العامية..متٌَقد الذهن..نورانى الوجدان،وأعنى بالأخيرة هذا الصفاء الذى يمتلئ به وجدانه ((همُّ الأنا تجاه الآخر))..ثائر فى عتاب،فليس فى ثورته هائج صارخ
إنما يعبر عن مكنوناته فى هدوء شعرى،لذا تجد القصيدة لديه ليست مُرتبكة،لأنه يتعامل بعقلانية
فى وصف كل شئ حوله،برغم ضخامة أوجاعه.
هو شاعر نبيل فى تعامله ،هادئ فى انفعالاته.لذا
تصلك الصورة بحبكة وترابط رزين.
عنوان الديوان يبدأ ب(لو)..ولو من وظائفها النحوية
تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط،وأعتقد أنها وُظِّفت فى الديوان لأجل الإشارة إلى هذا الغرض.
فالشرط فى الديوان هو مقدمات لنتائج،والمقدمات التى يعنيها لاتُنبئ بجواب أونتائج حلولية لكل ما يراه
من معاناة ذاتية أو عامة،فقد امتنع الشرط ولولا
امتناعه لسار كل شيئ فى طريقه الصحيح.والدليل
على قِصَر مفهومها هنا على هذا المعنى،قوله المتكرر
(ولَّا…ولَّا)…إذن هى الحيرة والشك،فلايقين على الإطلاق،لأن الحيرة والشك يأتيان بين نقيضين،وهو
يختم كل قصيدة بتلك الفقرة الثابتة:
هتعود/هتفكر((ولَّا هتكمل جوَّه الوهم))..ولا…ولَّا
_لفظة الوهم لاتغادر نهايات الديوان،وتتخلَّل صفحاته
أيضاً.فالديوان(٣٧)قصيدة..جميعها وقعت تحت مُسمَّى واحد (لو ..هتفكر ترجع)ذكرت لفظة الوهم فيها بعدد القصائد،وجاءت بين القصائدحتى وصلت نحواّ من أربعين مرَّة،غير مأُشير إليها فى بعض الجُمل الشعرية..إذن سيطرت على الديوان،وهذا يعنى عند الشاعر،أن حياتنا جميعها تدور فى رحى الوهم..إذن
لاحقيقة…لايقين.
وجاءت تلك الفقرة الثابتة التى تنتهى بها جميع القصائد،هكذا:
((ولَّا تفكَّر ترجع/ولا تكمِّل جوه الوهم
اللى بيصدق قدامك/زى القطر اللى معدى وشفته
لكن…….عدَّى وفات)).
*وفى البحث عن موضوعات الديوان غير عمومية
الوهم المسيطر فى كل قصيدة،وجدناه يثبت حقيقة
هذا الوهم،من خلال موضوعات تتميز بها كل قصيدة إلى جانب هذا الوهم،فوجدنا(الحلم/التخلِّى/العبودية
الوحدة/الحيرة/العجز/القمع/الفقر/الحرمان/الغربة
الحقد/الزيف/الهم/اليأس/الشوق)..إلى جانب أنا الخير المستوطنة فى الذات للحياة وللآخرين……
وتبقى قمة المأساة فى هذا التقابل الذى يشعر به
كل إنسان،حين يشعل شمعة للحياة والآخرين
ويكون جزاؤه أن يحترق بها،وهذا مايوجع الشاعر فى كل كلمة يكتبها:
هل فكرت ف عمرك كله /تزرع شجرة مانجه
تأكل منها الناس/لما تروَّح/هل…..؟
ح تفكَّر فى الأيام الباقية ف عمرك
تزرع اللى يحبُّه الناس/ولا تكمَّل جوّه الوهم
أليست (هل)من إشارات الحيرة،وتوقعات غير مضمونة الحدوث؟
_إن الشاعر الذى يثير فى نفوسنا العطف ،لأنه كشف
عن آلام البشر،نجد متعة فى قراءة أشعاره.
_إنه بروح (الأنا الخيِّرة)التى ترجو صلاحاً للكون….
يعطى درساً فى المحبة،تلك المحبة الصوفية الخالصة
..وقد قال(إليوت):”أن الفنان كلما كان عظيماً عمَّق فيه الانفصام بين الرجل الذى يعانى والعقل الذى يخلق،والشاعر الذى لايتجاوز الذاتية إلى الموضوعية
تفقد قصيدته تأثيرها الفنى،فمهمة الشاعر أن يُضحِّى
بشخصيته وأن يهرب بانفعالاته الفردية،وأن يجيئ
تعبيره عن وجدانه بخلق موقف معيَّن أو سلسلة من
الأحداث تعادل الوجدان الذى يريد التعبير عنه.
_إنه من أشكال القمع ،مايكون سياسياً،أو اجتماعياً…
فالقمع السياسى يتمثَّل فى قوة الدولة التسلُّطية،
والقمع الاجتماعى،يتمثَّل فى أوضاع التصلُّب الاجتماعي،وأنواع الفساد الاجتماعي تظهر فى المِراء
والنِّفاق واختلال المعايير الناشئة عن ثقافة متخلِّفة
والشاعر يُجسِّد ذلك كله فى أكثر من قصيدة:
واقف مستنى النور/المسجون جوّه سواد الليل
والكل مسلٌَم للعبودية
بيوطِّى يبوس على إيد الغول
وحرامى بيسرق/قوت أهله
((ولوحدك شايل هم البشرية
وماحدِّش حاسس بيك))
..وعن هذا التسلُّط ،وهذا القمع أيضاً:
خيط فى إيدين الناس/قادر يتحكَّم فى مسارك
ماسك مفاتيح أسرارك/بيوجَّه رحلة أفكارك.
كيف يتحدث عن الزيف،أحد نواتج الفساد المجتمعى:
((مش دايما كشف المستور
أفراح وجناين مليانة بنور
لازم تلقى/جوه جمال الورد الشوك
ولَّا تبان لك قيمة الأرض/إلّا أما تبور
ف لإما تعيش
ويا وشوش الزيف فرحان
أو إنك تفرد جسمك
على جرح بينزف من رسمك..من إسمك
_وفى (الهم)الممتزج بسنين عمره،يقول:
فى جرابى سنين للبيع
لكن مليانة دموع ومآسى
___وأهم مطالب حياة الإنسان هى (الحرية)…..
وأقول:”أنا حرٌّ ..إذن أنا موجود”…لاشئ يساوى قيمة
الحرية.الحرية بوّابة خروج الفكر والإبداع إلى الوجود
وقد كان(العقاد)يرى أنه لاوجود للجمال الأدبى أوالفنى أوحتى الطبيعى إلا إذا انطوى على الحرية،ولاحرية فى الحياة والأحياء إلا إذا كان الجمال عنصراً أساسياً فى بنائها”.
_إن الشاعر فى أغلب مراداته،يبحث عن الحرية كمخرج أساسى لكثير من معاناته،ومعاناة من حوله،
الحرية من القمع السلطوي والإستبداد..الحرية من القمع الاجتماعى المتمثل فى الفساد والزيف والرياء
والنفاق.. الحرية من قبضة الأحزان الذاتية والعامة..الحرية من الفزع…الحرية من قمع الأفكار والأحلام..إن قصائده لها مطلب أساسى فى النهاية
يسكن فى برواز خلف السطور،وهذا المطلب،هو:
الحرية والتغيير.هو كفيلسوف متأمل باحث عن بصيص من نور،لم يكتب جُزافاً،بل حلًَل صور المعاناة

دراسة نقدية بقلم حامد حبيب

فى تجسيد رائع لالبس فيها،وقدَّم حلولاً جعل القارئ يستشفًها بذاته من خلال تفاعله وانفعاله بما كتب الشاعر فى صور فنية وتعبيرية رائعة،وصدق شعورى
يتوازى مع كلماته.
_فالشاعر طبيعته أن يُفسٌِر الحقائق ويميط اللثام عن سرها ولايكتفى بملاحظتها وتسجيلها.
_جاءت الصور لديه مترابطة،تؤدى المعنى المطلوب الذى ينشده القارئ،وأبدع أيًما إبداع فى توصيل
ما أراد،وكان موفَّقا إلى حدِّ بعيد…ونترككم مع كلماته:
واخد شنطك ومشيت
لفيت العالم كله
بتدور على حلمك
و رجعت بيأسك تسكن
بيت الشعر اللى فى كراستك
وعرفت بأن كل بيوت الدنيا
ممكن تسكن وياك
وف نفس البيت
هتعود من تانى
تحضن قلمك
ولا تفكر ترجع
ولاتكمل جوه الوهم
اللى بيصدق قدامك
زى القطر اللى معدة وشفته
لكن….عدى وفات ..!!
————————-
*يحتاج الديوان بحثاً وجهداً أكثر،فلم نُحِط بكل جنباته،ولكنه كان مروراً يسيراً،أردنا من خلاله تسليط الضوء على شاعر مبدع يستحق كل تقدير..مع تمنياتنا
له بدوام الإبداع والتوفيق.
تحياتى (حامدحبيب)__مصر. ٣-٢-٢٠٢١م

اترك تعليقاً