من رواية للزقازيق دفء القرفة

من رواية للزقازيق دفء القرفة | للكاتب الدكتور/ ابراهيم عطية

شارع مولد النبي
مررت من شارع البوسطة إلي شارع مولد النبي ، بدا منكبا علي اوجاعه يملأ ولاعات الزبائن بحزن سنوات جمعها وطرحها منذ ترك القرية ووزعه مكتب تنسيق الثانوية العامة علي المعهد الفني التجاري ، جمع همومه وطرحها فوجد الكسور الاعتيادية مطابقة تماما مع ما شرب من مرارة الغربة ، فحاول أن يجد حلول أخري للمسألة التي تؤرق حياته ، تري من فعلها يا ناس ..؟! منذ أن رحلت أمي والخيرة تقتلني ، لم اشعر بدفء الأمومة، وكسر الخاطر المستمر من توبيخ والدي الدائم ومطاردته..
_يا فاشل
كم حاول مرارا الهروب من هذه العبارة ،التي جسدت همومه علي زجاج الفاترينة منكبا علي ساعة الوقت وأمنيات صغيرة تتضاءل مع خيبات الحياة ،وبريق قمر في السماء الصافية تبدد في عنفوان انتكاساته المتلاحقة ،والبنت التي وهبها قلبه لم تبادله سوي الجفاء ولم تزهر معها أحلامه فجعلته يمشبي على الأشواك دون الرجوع إلي الأحباب ، أي أحباب يقصدهم العندليب بعدما تركوه وحيدا يعاني برودة الوحدة في غرفته مع بقايا خبز اجهزت عليها الصراصير ورطوبة طبعت على جدران الغرفة زهرة الصبار ، كلما خرج إلي شارع الكورنيش تعتريه رعشة وأمنية قد تصنعها الصدفة إلا أنه يعاني الوحدة في ظلال أشجار البلوط وجذوره التي تدلت في شارع جمال عبد الناصر، ربما يراها في البلكونة ،وراح يجمع بقايا طيفها من هواء الشارع فانشرح صدره كلما طالع حمرة زهور البونسيانا في خديها ، وهمس لنفسه متمنيا ..
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
زفر زفرة من الغاز الذي ملأ صدره فاشعلت في قلبه حرائق العشق والأشواق المبعثرة في قلب شارع مولد النبي المزدحم بالمارين ،اجتر من أحزانه قصيدة النبض أغنية ووقف يتشدها أمام الفاترينة فظن أصحاب المحلات و الناس المارين أنه أصابته لوثة من الجنون ،فقالت امرأة ..
– جدع زي الورد يا عين أمه ..
فقالت من معها بنبرة جافة. ،..:
– ربنا يشفيه ..اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته
أخذته العزلة إلي مائة عام من العزلة لماركيز فاطلق لحيته وبدا راهب في محراب وحدته ،انتابته حالة من الفقد بعدما هجره الأصدقاء وتركوه يعاني أوجاع القلب وحيدا ، استيقظ من غفوته على صوت يأمره بالخروج ويخالط الناس حتي ينسي جفاء العالم ، استنهض قواه التي اصابها الوهن لاضرابه عن الطعام ،وخرج للدنيا من جديد بعدما حمل معه عدة الصيد الذي سقاه من كؤوس الصبر ما جعله قادرا علي مواجهة صدمات الحياة ، فاطلق عنان تخيله لبحر مويس حين مرت به نسمة حائرة امام سينما سلمي ، تطلع إلي افيش فيلم أبي فوق الشجرة وتذكر عدد القبل التي احصاها جمهور المشاهدين فتبسم مع صوت العندليب وهو يغني لمرفت أمين ..
الهوي هوايا
ابنيلك قصر عالي واخطف نجم الليالي
واسغلك عقد غالي يضوي أحلي الصبايا
الهوي هوايا
يبقي القمر قاربنا ،والليل بحر مهاودنا
والنسمة اللي تاخدنا ،ترجع شايله الحكاية
ااهوي هوايا
ردد مع العندليب وانتابته نشوة الشعور بالسعادة ،بينما طائر البشاروش يحلق فوق سطح الماء ،ويزقزق فرحا بوليفته الواقفة فوق غصن شجرة الصفصاف المتدلية شعورها والقراميط تعلو فوق السطح وتضرب غطسا في الماء

اترك تعليقاً